أودع الله تعالى كثيراً من الأسرار والعجائب في مخلوقاته، وبعض هذه الأسرار مما اكتشفه الإنسان، واستطاع أن يجد له تفسيراً، ومنها ما لم يكتشفه البشر إلى يومنا هذا.
ومن المخلوقات التي اشتملت على كثير من العجائب حشرة الذباب، فقد استطاع العلم الحديث أن يكشف الكثير من العجائب والأسرار في حياة هذه الحشرة، ومن ذلك اشتمال هذه الحشرة على داء في أحد جناحيها، وعلى دواء مضاد له في الجناح الآخر، وهذه ظاهرة عجيبة. والأعجب من ذلك هو إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك قبل ألف وأربعمائة عام.
وقد جاء الإخبار عن آية أخرى من آيات الله تعالى في الذباب، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73].
وفي هذا البحث سنحاول أن نعرض لهذه النصوص الشرعية التي أخبرت عن شيء من عجائب الذباب، ونبين وجه الإعجاز في ذلك.
النصوص الشرعية التي تكلمت عن الذباب:
جاء التحدي من الله تعالى للكافرين والمعاندين في مواطن كثيرة من كتابه تعالى، ومما تحدى الله تعالى به الكفار وآلهتهم المزعومة خلق ذبابة، أو أن يستنقذوا ما سلبه الذباب منهم، يقول تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73].
يقول ابن كثير: "يقول تعالى منبهاً على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ﴾ أي لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ أي أنصتوا وتفهموا ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ أي لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة مرفوعاً قال: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا مثل خلقي ذرة أو ذبابة أو حبة»(1)، وأخرجه صاحبا الصحيح من طريق عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة»(2).
ثم قال تعالى أيضاً: ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي هم عاجزون عن خلق ذباب واحد بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه لو سلبها شيئاً من الذي عليها من الطيب ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك، هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها"(3).
ويقول الشوكاني: "بين سبحانه كمال عجزهم وضعف قدرتهم فقال: ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي إذا أخذ منهم الذباب شيئاً من الأشياء لا يقدرون على تخليصه منه؛ لكمال عجزهم وفرط ضعفهم، والاستنقاذ والإنقاذ التخلص، وإذا عجزوا عن خلق هذا الحيوان الضعيف وعن استنقاذ ما أخذه عليهم فهم عن غيره مما هو أكبر منه جرماً وأشد منه قوة أعجز وأضعف، ثم عجب سبحانه من ضعف الأصنام والذباب فقال: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾فالصنم كالطالب من حيث إنه يطلب خلق الذباب أو يطلب استنقاذ ما سلبه منه، والمطلوب الذباب، وقيل الطالب عابد الصنم والمطلوب الصنم، وقيل الطالب الذباب والمطلوب الآلهة"(4).
فهذه الآية الكريمة تشير إلى حقيقة علمية وهي استحالة استنقاذ ما أخذه الذباب، وهذا هو ما كشف عنه العلم الحديث في أيامنا هذه.
أما الأحاديث النبوية فقد تعرضت لحقيقة أخرى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء»(5).
وجاء بلفظ آخر فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله»(6).
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في أحد جناحي الذباب سم وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء»(7).
ومعنى "فامقلوه": أي اغمسوه، والمقل هو الغمس، يقول صاحب اللسان: "ومَقَله في الماء يَمْقُله مَقْلاً غَمَسه وغطَّه، ومَقَل الشيء في الشيء يَمْقُله مَقْلاً غَمَسَه"(8).
وقال الخطابي: "تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له، فقال كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب، وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الداء وما ألجأه إلى ذلك، قال وهذا سؤال جاهل أو متجاهل فإن كثيراً من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوي الحيوان، وأن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها أوان حاجتها، وأن تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحاً وتؤخر آخر"(9)، وقال ابن حجر: "قوله:«فليغمسه كله» أمر إرشاد لمقابلة الداء بالدواء، وفي قوله «كله» رفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه"(10).
عدم استنقاذ ما سلبه الذباب:
صورة لفم الذبابة
لقد أثبت العلم الحديث أن الذبابة تمد فمها من أسفل رأسها إلى السطح المقابل له، مكونة بذلك أنبوباً لامتصاص الطعام، وإذا نظرت بدقة إلى الأنبوب الماص لوجدت أن الطرف الملامس لسطح الطعام متسع وكأنه مكنسة كهربائية، بعد ذلك تبدأ الذبابة بفرز عصارتها التي تمكنها من تحليل وامتصاص ولعق المواد الكربوهيدراتية وغيرها الموجودة في الطعام.
ثم تبدأ هذه المواد بالتحلل إلى مواد بسيطة التركيب لمساعدتها على امتصاصها خلال الأنبوب؛ فالذباب لا يملك جهازاً هضمياً معقداً؛ لذلك يلجأ إلى الهضم الخارجي، وذلك من خلال إفراز عصارات هاضمة على المادة المراد التغذية عليها، ثم تدخل هذه المواد المهضومة خارج الجسم إلى الأنبوب الهضمي حتى يتم امتصاصها لتسير في الدورة الدموية إلى خلاياه، ويتحول جزء منها إلى طاقة تمكنه من الطيران، وجزء آخر إلى خلايا وأنسجة ومكونات عضوية، وجزء أخير إلى مخلفات يتخلص منها جسم الذباب.
فإن قام العلماء باستخراج ما ببطن الذبابة فإنه لن يكون هو نفسه الطعام الذي سلبته الذبابة؛ لأن الطعام الذي دخل في جوف الذبابة لم يعد نفسه الطعام الذي سلبته وإنما يحتاج إلى تجميع مركباته التي قد تفتت، فلهذا السبب لا نستطيع استنقاذه، والعجز يأتي من أن الطعام وحتى قبل دخوله إلى ماصة فم الذبابة طرأ عليه التغيير، ولاحظ أنه لو أراد العلماء أخذ الطعام من فم الذبابة ولو من بداية دخوله الماصة، فإن ذلك لن يجدي شيئاً، وذلك أن الطعام قد تحول إلى مركبات مختلفة تماماً حتى قبل امتصاصه لذلك ﴿لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أبداً(11).
الداء والدواء في جناحي الذباب:
المعروف عن الذباب أنه حشرة تحمل الجراثيم والميكروبات فقط، وما كان أحد يتصور أن هذه الحشرة يمكن أن تحمل بين طياتها الدواء والنفع، حتى تطورت وسائل العلم وأستطاع العلماء من خلال المجاهر الدقيقة أن يكتشفوا كثيراً من المبيدات للجراثيم في جناح هذه الحشرة، بل وجدوا أنها تحمل أيضاً مضادات حيوية.
وقد بدأت هذه الاكتشافات بعدد من الملاحظات، فقد لوحظ على جرحى الحرب العالمية من الجنود أن جراحهم أسرع شفاءاً والتئاماً من الضباط الذين يعنى بهم مزيد عناية في المستشفيات؛ لأن الجنود يتداوون في الميدان فيتعرضون لوقوع الذباب على جراحاتهم.
ومنذ سنة 1922م نشر الدكتور بيريل بعد دراسة مسهبة لأسباب جائحات الكوليرا في الهند وجود كائنات دقيقة تغزو الجراثيم وتلتهمها، وتدعى ملتهمات الجراثيم -بكتريوفاج.
وأثبت بيريل أن البكتريوفاج هو العامل الأساسي في إطفاء جوائح الكوليرا، وأنه يوجد في براز الناقهين من المرض المذكور، وأن الذباب ينقله من البراز إلى آبار ماء الشرب فيشربه الأهالي، وتبدأ جذوة جائحة الكوليرا بالانطفاء.
كما تأكد ذلك عام 1928م حين أطعم بيريل ذباب البيوت فروع جراثيم ممرضة فاختفى أثرها بعد حين، وماتت كلها من جراء وجود ملتهم الجراثيم، شأن الذباب الكبير في مكافحة الأمراض الجرثومية التي قد ينقلها هو بنفسه، وعرف أنه إذا هيأ خلاصة من الذباب في مصل فسيولوجي، فإن هذه الخلاصة تحتوي على ملتهمات أربعة أنواع على الأقل من الجراثيم الممرضة(12).
صورة مجهرية لفيروسات البكتريوفاج وهي تهاجم أحد البكتريا
والجدير بالذكر أن الأستاذ الألماني بريفلد من جامعة هال وجد عام 1871م أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات سماه أمبوزاموسكي، وهذا الطفيلي يقضي حياته في الطبقة الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة، على شكل خلايا خميرة مستديرة، وبعد نضج هذه الخلايا المستديرة، تستطيل وتخرج من بين الشدف البطنية (Abdominalsegments) أو من الفتحات التنفسية (Spiracle)، والفطر في هذه الحالة يكون في دورة التكاثر، وتتضاعف أعداد البذور داخل الخلايا، فيزداد ضغطها، فتنفجر الخلايا، وتخرج منها بذور الفطر باندفاع شديد مصحوبة بالسائل الخلوي على هيئة رشاش(13).
وقد أيد العلماء المحدثون ما اكتشفه بريفلد وبينوا خصائص هذا الفطر الذي يعيش على بطن الذبابة، ففي سنة 1945 أعلن أستاذ الفطريات لانجيرون أن الخلايا التي يعيش فيها هذا الفطر فيها خميرة قوية تذيب أجزاء الحشرة الحاملة للمرض، وفي سنة 1947 عزل موفيتش مضادات حيوية من مزرعة للفطريات تعيش على جسم الذبابة، ووجدها ذات مفعول قوي على جراثيم غرام سلبي كجراثيم الزحار والتفوئيد، وفي نفس السنة تمكن العالمان الإنجليزيان آرنشتين وكوك والعالم السويسري روليوس من عزل مادة سموها جافاسين من الفطور التي تعيش على الذباب، وتبين لهم أن هذه المادة مضادة حيوية تقتل جراثيم مختلفة من غرام سلبي وغرام إيجابي.
وفي سنة 1948 تمكن بريان وكورتيس وهيمنغ وجيفيرس من بريطانيا من عزل مضادة حيوية أخرى سموها كلوتيزين من الفطريات نفسها التي تعيش في الذباب، وهي تؤثر في جراثيم غرام سلبي كالتفوئيد والزحار. وفي سنة 1949م تمكن العالمان الإنكليزيان كومسي وفارمر والسويسريون جرمان وروث وإثلنجر وبلانتز من عزل مضاد حيوي أخر من فطر ينتمي إلى فصيلة الفطور التي تعيش في الذباب، سموه أنياتين، وله أثر شديد في جراثيم غرام سلبي وغرام إيجابي كالتفوئيد والكوليرا والزحار وغيرها(14).
ولقد ذكر الدكتور عبد الباسط محمد السيد رئيس قسم التحليل و الجراثيم في المركز القومي للأبحاث في مصر أن مجموعة من العلماء الألمان اكتشفوا في الجناح الأيسر للذبابة جراثيم غرام سلبي وغرام إيجابي، وفي الجناح الآخر جراثيم تسمى باكتريوفاج أي مفترسة الجراثيم وهذه المفترسة للجراثيم الباكتريوفاج أو عامل الشفاء صغيرة الحجم يقدر طولها بـ 20- 25 ميلي ميكرون فإذا وقعت الذبابة في الطعام أو الشراب وجب أن تغمس فيه كي تخرج تلك الأجسام الضدية فتبيد الجراثيم، وهذه المضادات واسعة الطيف وقوية التأثير وشبيهة بالأنتي بيوتك (المضادات الحيوية)، والآن هناك عدد كبير من مزارع الذباب في ألمانيا حيث يتم استخلاصها ويحضر منها بعض الأدوية التي تستعمل كمضاد للجراثيم والتي أثبتت فعالية كبيرة وهي تباع بأسعار مرتفعة في ألمانيا(15).
وقد كتب الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة الإسكندرية بحثاً عن حديث الذبابة أكد فيه أنه في العصر الحديث صرح الجراحون الذين عاشوا في السنوات العشر التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا - أي في الثلاثينيات من القرن الحالي- بأنهم قد رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة بالذباب(16).
وهناك بحث جديد قام به فريق طبي استرالي، حيث قاموا بتركيز جهودهم العلمية على اكتشاف مضادات حيوية، اعتقاداً من تلك النخبة من العلماء بحتمية وجود مواد مضادة للبكتريا في جسد الذبابة حتى يمكن للذبابة أن تنجوا من الإصابات البكترية المباشرة من جراء المواد المتعفنة التي تقف عليها، وقامت تلك النخبة من العلماء العاملين بقسم العلوم البيولوجية بجامعة ماكيرى بتحديد خصائص وأسلوب عمل مضادات البكتريا في المراحل المختلفة في حياة الذبابة. وتعليقاً على هذا الموضوع تقول جوان كلارك (Ms Joanne Clarke) أن البحث الذي قمنا به هو جزء صغير من جهود عالمية في هذا المجال بحثاً عن مضادات بكترية جديدة ولكن نحن- ولنا السبق في ذلك- نبحث في مكان لم يسبقنا أحد في البحث فيه. والجدير بالذكر هنا أن هذه العالمة قامت بتقديم نتائج هذه الدراسة في مؤتمر طبي في الجمعية الاسترالية لعلوم البكتريا في مدينة مالبورن، وهذه الدراسة كانت جزءاً من رسالة دكتوراة تقدمت بها.
وتقول مسز كلارك: أن الذبابة تمر في دورة حياتها بمرحلة اليرقة ثم مرحلة الفراشة قبل أن تصل إلى الطور النهائي، وعندما تمر بطور الفراشة فإنها تحيط نفسها أو تتكيس، ونحن لا نتوقع -والكلام لهذه العالمة- أن الذبابة في هذه المرحلة تنتج الكثير من المضادات الحيوية، وعلى أي حال فإن الدراسة أظهرت أن الذبابة في طور اليرقة قد أظهرت خصائص مضادة للبكتريا فيما عدا النوع المعروف بـ((Queensland fruit fly، وعندما تصل فصائل الذباب بما فيها النوع سالف الذكر(Queensland fruit fly) إلى الطور الكامل (طور البلوغ) فإنها ستكون أي (Queensland fruit fly) قد وصلت إلى مرحلة تكون فيها بحاجة إلى حماية ضد البكتريا؛ نظراً لأنها أصبحت لديها القدرة للتحول من مكان إلى آخر، علاوة على معايشتها لسائر الأنواع الأخرى.
وتكمل هذه العالمة كلامها قائلة: أن هذه الخاصية الفريدة المتعلقة بمضادات البكتريا تتواجد على جسد الذبابة علاوة على وجود نفس الخاصية في أحشاء الذبابة أيضاً. وتستطرد في كلامها قائلة: إنما كان اهتمامنا الأكبر بجسد الذبابة الخارجي؛ لأنه من السهل استخراج مضادات البكتريا منه، ونحن الآن نحاول تحديد المركب الذي يعمل كمضاد للبكتريا والذي في نهاية الأمر سيتم تخليقه كيمائياً. وفى نهاية بحثها تتمنى هذه العالمة أن يكون هذا الجيل من المضادات الحيوية له مدة علاجية مؤثرة أطول.(17)
وأوضح الدكتور معتز المرزوقي أن حديث الذباب يتضمن معجزتين علميتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أحداهما وجود الميكروب في جانب من الذبابة ووجود المضاد الحيوي (antibiotic) في الجانب الآخر، على اعتبار أن الجناح في اللغة يدل على الميل أو الجانب، ويؤيده قول الله تعالى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: 22].
وأما المعجزة الثانية فهي في كلمة «فليغمسه»؛ لأن الغمس يتضمن ولوج المنطقة التي بها الفطريات الحاملة للمضادات الحيوية وللميكروبات؛ ولأن عملية الغمس تسمح للسائل أن ينتشر إلى الغشاء بالانتشار الغشائي حتى ينفجر هذا الغشاء ويخرج السيتوبلازم الذي يحتوي مضادات الميكروبات التي يكفي 2 مللي جرام منها لتطهير ألف لتر من اللبن الملوث بجميع الميكروبات(18).
وجه الإعجاز:
بعد هذه الاكتشافات المتنوعة والتي رأينا من خلالها عدداً من الحقائق المتعلقة بحشرة الذباب، فإننا نشهد بأن الإخبار الذي جاء في كتاب الله تعالى وفي السنة المطهرة هو كلام حق من عند الله عز وجل.
ففي الوقت الذي لا توجد فيه أبسط وسائل الاكتشاف للأمور الصغيرة والدقيقة، يأتي القرآن ليثبت أن للذباب قدرة على تحويل الطعام إلى شيء آخر وحالة مغايرة لتركيبته الأولى، وبعد هذا التغيير والتحويل فإنه يستحيل على البشر مجتمعين أن يعيدوه إلى حالته الأولى. وهذا ما أثبتته البحوث العلمية الحديثة بعد أن استخدمت في ذلك أحدث الوسائل العلمية.
وجاء الإخبار في السنة المطهرة عن حقيقتين علميتين، الأولى أن الذباب ناقل للداء، والثانية أن هذا الناقل للداء يحمل أيضاً دواءاً، وهذا من الأمور التي لا يمكن للعقل أن يتخيلها بدون دراسات علمية يقوم بها باحثون ذو خبرات عالية مستخدمين في ذلك أقوى المجاهر والمعامل المتطورة، ولذلك أنكر هذا الحديث -وحكم عليه بالضعف والوضع- عدد من المسلمين الذين لم تتخيل عقولهم هذا الخبر العجيب.
وبعد رحلة من الدراسات العلمية الطويلة التي انصبت على الذباب، تفاجئنا البحوث العلمية الحديثة بمعلومات تتطابق مع أخبر به الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم، فإذا بهم يكتشفون أن الذباب يحمل مئات الملايين من الجراثيم، وفي نفس الوقت يحمل البكتريوفاج التي تقتل هذه الجراثيم وتبيدها، وفي طيات هذه الأجنحة أنواع عديدة من المضادات النافعة والمقاومة للعديد من الأمراض.
وكل هذا يثبت أن في جناح هذه الحشرة داء وفي الآخر دواء، وهذا هو عين ما أخبرت به الأحاديث النبوية.
وهذه النصوص التي أخبرت عن تلك الحقائق المتعلقة بالذباب، ما هي إلا صورة من الصور المتكررة والعديدة للإعجاز العلمي في هذه الرسالة المحمدية، وفي هذا شهادة على الناس في كل زمان ومكان بأن هذه النصوص وحي حق من الله الخالق العليم، أنزله على رسوله الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53].